الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
..لا يخفى ماللعقيدة من أثر على الشخص في دنياه وآخرته ، فبصلاحها يصلح للشخص أمره في دنياه وأخراه – بإذن الله – وكذا فإن عمله يستقيم وسلوكه يصح بسبب سلامة المعتقد ، فالمعتقد الصحيح يدفع إلى عمل صحيح بإذن الله ، والمعتقد الفاسد يدفع إلى عمل فاسد بإذن الله .
فالمسلم يعتقد أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، ومن ثم يعمل لهذا اليوم ، فالمسلم يعتقد أن الله يراه ، ويعتقد أن الملائكة لديه تكتب العمل وتسطر الأقوال ، فيحسن القول ويحسن العمل .
يعتقد في المرسلين أن الله عز وجل أرسلهم ، فمن ثم يوقرهم كما أمره الله بتوقيرهم ، ويعتقد أنهم بشر فلا ينزلهم منزلة رب البشر .
يعتقد أن الأمور مقدرة فيرضى بالقضاء ويصبر على البلاء فيطمئن قلبه ويهدأ باله .
فضلا عن ذلك وقبل كل ذلك ، وأولاًُ وآخراً يعتقد أن الله عز وجل واحد لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ، ولا شريك له ولا ند ولا مثيل ، فيعمل بمقتضى ذلك من توحيد ربه عز وجل والسمع والطاعة وحسن الإنقياد لله عز وجل ، وكذا حسن الإستسلام له سبحانه وإسلام الوجه إليه ، إلى غير ذلك من متبوعات المعتقد الصحيح .
إذن بعد هذه المقدمة الطويلة فماهي العقيدة ؟؟
العقيدة >> لغة أصلها من عقد ، من عقد عليه الفكر والقلب من أمر .
واصطلاحا : هي مااعتقده الإنسان وانعقد عليه قلبه وفكره فصار عقيدة عنده حتى وإن كان أمراً باطلاً ..
لم خلق الله عز وجل العباد ؟؟
لم يخلق الله عز وجل الخلق وتركهم بلا غاية ، لكن خلق الله عز وجل الخلق كله ليعبدوه ويفردوه عز وجل بالإلهية، والعبادة :: هي اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة ..
ويكون في عمله هذا متبعا غير مبتدعا وغير مرائى للناس
قال الله عز وجل : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
وقد أخذ الله عز وجل علي عباده حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السلام العهد والميثاق أن يعبدوه وحده وأنه لا معبود بحق سواه ..
قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } الأعراف 172 *173
وروى البخارى ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ قال : فيقول نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت العهد عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي "
فما هي المواثيق والعهود التى أخذها الله عز وجل على ذرية آدم عليه السلام ؟؟
أولها >> الميثاق الذي أخذه الله عز وجل عليهم وهم في ظهر أبيهم آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم " ألست بربكم " قالوا بلى ، وهو قول جمهور المفسرين في هذه الآية .
ثانيها >> ميثاق الفطرة ، وهو أنه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم في الميثاق الأول كما قال تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ " الروم 30
فالله عز وجل خلق كل انسان على الفطرة ولو وجد بدون مؤثرات لنبت موحدا
ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه "
وروى مسلم عن عياض بن حمار رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : إنى خلقت عبادى حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم "
ثالثها >> هو ماجائت به الرسل وأنزلت به الكتب تجديداً للميثاق الأول وتذكيرا به : {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165
فمن أدرك هذا الميثاق وهو باق على فطرته التى هى شاهدة بما ثبت فى الميثاق الأول فإنه يقبل ذلك بلا تردد لأنه جاء موافقا لما فى فطرته ، ومن أدركه وقد تغيرت فطرته عما جبله الله عليه من الإقرار بما ثبت فى الميثاق الأول بإنه قد اجتالته الشياطين عن دينه أو هوداه أبواه أو نصراه أو مجساه فهذا إن كذب بالميثاق الذى جاءت به الرسل لم ينفعه تصديقه بالمثاق الأول ، وإن تداركه الله برحمته وصدق به نفعه تصديقه بالميثاق الأول والتانى ..
وبعد هذا العهد والميثاق الذي أخذه الله عز وجل عليهم ، أرسل الله عز وجل رسله وأنزل معهم كتبه حتى يذكروا الناس بذلك العهد الذى أَخذ عليهم ، وينذروهم ويحذروهم من عقاب الله عز وجل وعذابه بمن خالف ذلك العهد ، ويبشروهم بالجنة لمن وفى وصدق ..
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة ، وأن ينجينا وإياكم من عذاب جهنم ..
آمين يارب العالمين
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين[center]